الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الدستور التونسي قيد الجدل.. بين دفاع سعيّد وانتقادات المعارضة لـ "حكم الرجل الواحد"

الدستور التونسي قيد الجدل.. بين دفاع سعيّد وانتقادات المعارضة لـ
دستور تونس

يمضي الرئيس التونسي قيس سعيّد بمشروع إصلاحات، وفقاً لرؤيته، سينهض بتونس واقتصادها وبالشعب التونسي بعيداً عن الفساد والتحكم بالسلطة، ورهن البلاد لتنفيذ أجندات سياسية حزبية خاصة. ويدافع سعيّد عن مسودة الدستور التي قدمها للشعب التونسي من أجل الاستفتاء عليه مع نهاية الشهر الحالي. فيما يصف منتقدوه الدستور الجديد بأنه سيعزز سلطات سعيّد ويمنحه صلاحيات جديدة وكبيرة، مبتعداً عن المسار الديمقراطي ومبادئ الثورة الأساسية التي يرغب بها الشعب التونسي، وإن اتفقوا معه بخصوص رؤيته ومجابهته لحزب النهضة الإخواني.

وخرج الرئيس التونسي مدافعاً عن الدستور الجديد، داعياً في رسالة وجهها إلى الشعب التونسي للتصويت بـ"نعم" على الدستور المعروض على الاستفتاء يوم 25 يوليو الحالي، لتحقيق "مطالب الشعب وإنقاذ الدولة"، معتبراً أنه "مشروع من روح الثورة ومن روح مسار التصحيح".

وأكّد سعيّد في كلمة نشرها موقع الرئاسة، على أن الدستور المطروح للاستفتاء، لا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات، منوهاً بأنه "روح قبل أن يكون مجرد مؤسسات وهذا المشروع المعروض عليكم يعبر عن روح الثورة".

من جانب آخر، يعبر العديد من معارضي سعيّد عن مخاوفهم المتزايدة من أنّ مشروع الدستور الجديد يهدف إلى تعزيز سلطة الحكم الفردي، ويقضي على أهم المنجزات التي حققها الشعب التونسي بعد ثورة 2011.

اقرأ أيضاً: أرصدة الغنوشي وأفراد من عائلته.. باتت مُجمدة في تونس

إلى ذلك، تبرأ أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، وهو من أشهر خبراء القانون في تونس، من مشروع الدستور الجديد الذي تم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ الـ 30 من يونيو الفائت، معتبراً إياه "نسخة خطيرة" ولا تشبه المسودة الأولى التي سلمتها اللجنة الاستشارية إلى رئيس الجمهورية.

سعيّد يدافع عن الدستور الجديد ويستنهض مؤيديه

في رسالة وجها للشعب التونسي بعنوان "للدولة وللحقوق والحريات دستور يحميها.. وللشعب ثورة يدفع عنها من يعاديها"، دعا رئيس الجمهورية مناصريه للتصويت ب"نعم" على الدستور المعروض على الاستفتاء يوم 25 يوليو الحالي، معتبراً إياه السبيل لتحقيق مطالب الشعب وإنقاذ الدولة.

وأضاف سعيّد في رسالته المنشورة على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، "قولوا نعم حتى لا يصيب الدولة هرم، وحتى تتحقق أهداف الثورة فلا بؤس ولا إرهاب ولا تجويع ولا ظلم ولا ألم". مشدداً على أن "التاريخ لن يعود أبداً إلى الوراء، فلا خير في التاريخ إن كان سيعيد نفسه ولن يعيد نفسه بكل تأكيد".

ودافع سعيّد عن الدستور المعروض على الاستفتاء، مؤكّداً أنه لا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات، مشيراً إلى أنه "روح قبل أن يكون مجرد مؤسسات وهذا المشروع المعروض عليكم يعبر عن روح الثورة".

وحاول الرئيس التونسي طمأنة مؤيديه بخصوص مشروع الدستور، مؤكداً على أنه "لا خوف على الحريات والحقوق إذا كانت النصوص القانونية تضعها الأغلبية تحت الرقابة الشعبية، سواء داخل المجلس الأول او المجلس الثاني. فضلاً عن رقابة دستورية القوانين من قبل محكمة دستورية تسهر على ضمان علوية الدستور بعيداً عن كل محاولات التوظيف بناء على الولاء لهذا او لذاك".

وهاجم سعيّد منتقدي مشروع الدستور الجديد، واصفاً إياهم بمن "دأب الافتراء والادعاء". وأضاف بأنهم يدّعون أن مشروع الدستور يهيء لعودة الاستبداد، وقال بأن من ينتقد "لم يكلف نفسه عناء النظر في كل بنوده وأحكامه، بل لم ينظر في تركيبة المحكمة الدستورية ولا في إمكانية سحب الوكالة ولا في حق المجلس في مساءلة الحكومة. ولا في تحديد حق الترشح لرئاسة الدولة إلا مرة واحدة".

وتطرق الرئيس التونسي، إلى الأسباب التي دفعت إلى وضع دستور جديد، وقد تعلقت بالخصوص "بما آل إليه الوضع في مجلس نواب الشعب"، الذي اقتضى الواجب المقدس والمسؤولية التاريخية حله لإنقاذ الشعب وإنقاذ مؤسسات الدولة التي كانت على وشك الانهيار، بحسب قوله.

أحدث نص مشروع الدستور الجديد المنشور يوم 30 يونيو الفائت، جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والحقوقية، بين رافض له لأنه مشروع يحمل نفساً "تسلطياً لرئيس الجمهورية" ويتضمن تراجعاً عن مكتسبات دستور 2014. وبين مرحب به باعتباره نصاً "يكرس إرادة الشعب ويقطع مع تشتت السلطات التي كانت سبباً في دخول البلاد في أزمات سياسية".

اقرأ أيضاً: سعيّد يدعو التونسيين للتصويت بـ"نعم" على الدستور الجديد

وكان الصادق بلعيد رئيس "اللجنة الوطنية الاستشارية لجمهورية جديدة"، التي كلفها سعيد صوغ دستور جديد، قدّم مسودته للرئيس في 22 يونيو، لكنه نأى بنفسه عن النص الذي نشره الرئيس التونسي في 30 يونيو.

معارضة كبيرة

منذ إعلان الرئيس التونسي عن مشروع "دستوره" الجديد وطرحه للاستفتاء، تشهد الساحة السياسية والأهلية الداخلية انقساماً حاداً بين مؤيد ومعارض. حيث شهدت تونس العديد من المسيرات المؤيدة والتظاهرات المنددة لقرار سعيّد بطرح دستور وفق تصورات محددة.

وعلت العديد من الأصوات الرافضة له، معتبرة إياه بأنه يعزز وإلى حد كبير سلطات رئيس الدولة، مما زاد الهواجس لدى منتقدي الرئيس من أن غايته هي ترسيخ الحكم الفردي، والعودة إلى حقبة ما قبل الحراك التونسي، إضافةً للقضاء على المكاسب الديمقراطية التي تحققت في العام 2011.

وكانت لتصريحات الصادق بلعيد، في رسالته المنشورة بإحدى الصحف المحلية بالبلاد، بعنوان "هي مهمة حق أريد بها باطل"، أثراً كبيراً في زيادة الانقسام السياسي حول الدستور الجديد ومشروعية الدستور المقدم للاستفتاء من قبل الرئيس التونسي.

وأوضح بلعيد في رسالته، "من واجبنا الإعلان بكل قوة وصدق أن النص الذي وقع نشره في الرائد الرسمي والمعروض على الاستفتاء، لا يمت بصلة إلى النص الذي أعددناه وقدمناه للرئيس قيس سعيد"، مضيفاً "وعليه فإنني وبصفتي الرئيس المنسق للهيئة الاستشارية الوطنية، أصرح بكل آسف وبالوعي الكامل بالمسؤولية إزاء الشعب التونسي أن الهيئة بريئة تماماً من المشروع الذي طرحه الرئيس للاستفتاء الوطني".

وفي السياق ذاته، أصدر الاتحاد التونسي للشغل، بيان قال فيه إن هيئته التنفيذية قررت "ترك حرّية التصويت للهياكل النقابية وكافّة العمّال"، وأشار بيان الاتحاد إلى أن صيغة الدستور المقترح تكرس سلطات واسعة للرئيس وتقلص في المقابل دور المؤسسات الأخرى.

وأشار البيان إلى عدة ملاحظات في مشروع الدستور، أبرزها "غياب تسقيف المواعيد الانتخابية وتحجيم الهيئات الدستورية وهياكل الدولة وغيرها من العناصر الغامضة أو الملغَّمة وهو ما من شأنه أن يهدّد الديمقراطية".

وأضاف البيان، أنه يوجد النقائص في الدستور المقترح، أهمها "تقييد بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغياب الضمانات ممّا قد يتهدّد الحريات والحقوق عند الممارسة والتأويل ويوفّر الفرصة لانتهاكها".

اقرأ أيضاً: الداخلية التونسية تؤكد وجود تهديدات إرهابية.. تستهدف أمن تونس ورموزها

ويمنح مشروع الدستور الجديد، رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، حيث أنه وبحسب الدستور فإن رئيس الجمهورية هو "القائد الأعلى للقوات المسلّحة" و"يضبط السياسة العامة للدولة ويحدّد اختياراتها الأساسية" و"يُسند، باقتراح من رئيس الحكومة، الوظائف العليا المدنية والعسكرية" ويتمتع بحقّ "عرض مشاريع القوانين" على البرلمان الذي يتعيّن عليه أن يوليها "أولوية النظر" فيها على سائر مشاريع القوانين.

نقاط خلافية

من أهم النقاط الخلافية، أو المواد، في نص مشروع القانون الجديد، والتي أدت لزيادة مستوى الحدة السياسية بين الأطراف المؤيدة والمعارضة، فندها حقوقيون وخبراء بالآتي:

-  المادة (101) تنص على أن الرئيس هو الذي يعين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، بناءً على اقتراح من رئيس الوزراء، وهي تخالف النظام الحالي المعمول به، الذي يعطي للبرلمان دوراً رئيساً في اختيار الحكومات.

- المادة (112) وتنص على أن الحكومة مسؤولة أمام الرئيس، كما تمنح الرئيس صلاحية إقالة الحكومة أو أي من أعضائها. في الوقت الذي كان فيه ولكي يتمكن البرلمان من إقالة الحكومة، تتعين موافقة ثلثي النواب لحجب الثقة عنها في تصويت.

- المادة (68) تمنح رئيس الجمهورية الحق في طرح مشاريع القوانين على مجلس النواب، وتقول إن لها الأولوية على المقترحات التشريعية الأخرى.

- المادة (69)  تعدّ مشاريع القوانين والاقتراحات التي يقدمها مشرعون لتعديل قوانين موجودة، غير مقبولة إذا كان من شأنها الإخلال بالموازنات المالية للدولة.

- المادة (109) تنص على تمتع الرئيس بالحصانة طيلة فترة ولايته، ولا يجوز استجوابه عن تصرفاته في أثناء تأدية مهامه.

- المادة (95) تسمح للرئيس باتخاذ "تدابير استثنائية" إذا ما رأى أن هناك "حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها" بعد استشارة رئيس الوزراء والبرلمان.

- المادة (106) تمنح الرئيس سلطة تعيين من يشغلون الوظائف العسكرية والمدنية العليا بناءً على اقتراحات من رئيس الوزراء.

- المادة (136) تقول إن الرئيس، أو على الأقل ثلث أعضاء البرلمان، لديهم الحق في المطالبة بمراجعة الدستور، لكن لا يمكن لتلك التعديلات أن تشمل تغييرات لمدد الولاية الرئاسية المحددة بولايتين.

-المادة (140) تمدد صلاحية المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس قيس سعيد في سبتمبر (أيلول) 2021 وسمح له بالحكم من خلال إصدار المراسيم لحين اضطلاع البرلمان بمهامه.

- المادة (120) تنص على أن تعيين القضاة يتم بأمر من الرئيس بعد ترشيحات من مجلس القضاء الأعلى المعني بالأمر، وهم ممنوعون من الإضراب.

- المادة (5) تنص على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية "وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".

- المادة (55) تنص على أنه ليس هناك قيود ستحد من الحقوق والحريات "إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام أو الصحة العامة أو حماية حقوق الغير أو الآداب العامة".

اقرأ أيضاً: سعيّد يدعو التونسيين للتصويت بـ"نعم" على الدستور الجديد

ومع ارتفاع الأصوات المعارضة لمعظم الأحزاب السياسية في تونس، لتوجهات قيس سعيّد ودعوتهم أنصارهم للمقاطعة، يشير العديد من المراقبين إلى إن الدستور الجديد سوف يتم إقراره على الأرجح، لكن بمشاركة شعبية محدودة. حيث سيتم التصويت للدستور الجديد في استفتاء لا يشترط حداً أدنى لنسبة المشاركة.

وفي الوقت الذي لم تصدر أي من الأحزاب الكبيرة أي تعقيب بشكل فعلي حتى الآن على مسودة الدستور. يركز الكثير من التونسيين بدرجة أكبر على الأزمة الاقتصادية المتنامية والتهديدات التي تواجهها المالية العامة والتي تتسبب في تأخر الرواتب وتنذر بنقص سلع أساسية مدعومة.

ليفانت نيوز_ خاص

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!